بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 يونيو 2013

ثورة على الذاكرة

بعدَ أنْ رَحل إلى الذاكرة وعاش بينَ ذِكرياته تَحت الغبار وفي ال لا مكان حتى تعود على الثنايا الصامتة فأصبحت الوِحدة هي صَديقيه المُفضل. بعدَ أن تَعَود على الفراغ وعلى كل معاني الملل. بعدَ ان نسي بأنه إنسان. وبعد أن توحَدَ مع الخيال باهت الألوان وبقايا ال لا ذكريات. بعد كُل هذا امتدت إليه تِلكَ اليد الدافئة زاهيةُ الألوان. يدٌ اجتثته من عالمه الذابل وجاءت به إلى الحياة.
خاف حينها وقرر الرحيل الى الذاكرة مرةَ أُخرى لكن تلك الابتسامة بدت كأنها تقول له "لا ترحل فأنت تستحق الحياة." بكل بساطة هذه الابتسامة أسرته بكل ما فيها من تفاصيل، لا بل لن أُبالغ حين أقول إنها أعادته إنسانا، أقصد أنها جعلته إنسانا لأنه لم يكن كذلك قبلها. صَدقتُها وتركت ألواني الرمادية خلفي لأصبِحَ جزئا من لوحتها زاهية الألوان. ابتسمت لابتسامتها فدبت في الحياة.
نَسي كل قواعده وقوانينه حينَ أخذت بيده، نسي كل شيء حتى جاءت تلكَ اللحظة حين لَعِبَ الواقع دوره من جديد. الواقع لطالما أجاد اختيار الوقت حين يقولُ كلمته ولطالما كانت هي الأعلى. الواقع لن يُسر بوجوده وهو أسير الذكريات، لن يُسّر بوجوده بين طياته فما كان منهُ إلا إعادته الى المنطقة الوسطى بينه وبين ذكرياته، تركه عالقا هُناك.
وها هو يجثوا على ركبتيه محاولا استراق السمع وسرقة النظرات علِّه يرى تلك الابتسامة علها تأخذه مرةَ أُخرى إلى الواقع. ألن يكف من أحلامه؟!! كيف بها أن تأخذه والواقع يضع يده على كتفه ويثقله فيغدوا غير قادرِ على الوقوف ثانيتا، كيف بها وواقعه يحفر له قبره، يتفنن في نحته، ويدفعه نحوه وهو لا حول له ولا قوة، كيف بها وهو لا يملك سوى ان ينتظر مرور الوقت أملآ أن تأخذه بعيدا ليرى ويسمع تلك الابتسامة مرة ثانية.
          لنْ أكمل كلماتي عنه فهو بين الحياة والموت....

ذاكِرةٌ تَحتْ الغُبار

لِكُلٍ مِنا تِلكَ الذِكريات المَحبوسة في الصَناديق الخَشبية وَ العُلَب المعدنية القَديمة, ذِكرياتٌ مركونةٌ في الرفوفِ العُلوية, يَحْتَضِنُها الغُبارْ, وَ لا تَكادُ ترى الضَوء إلا في المُناسباتْ. وُجوهٌ, أماكنٌ, مَواقِفٌ, و مَشاعِرٌ سَجناها في أوراق و طَمرناها داخِل العُلَب... أَحببناها في يومٍ ما و لكِننا تَناسيناها لِسببٍ أو لأخر.
وُجوهٌ لا نَزالُ نَذكُرُ إبتساماتِها, نَعرفُ كُل تَفاصِيلِها, و لِألأن نَشُمُ عِطرها, أماكنُ عَرَفت أسرارَنا وَ إحتَوَت حتى جُنونا, مَواقِف أَجهشنا لِبعضِها بِالبُكاء, وَ ضَحِكنا بِهستيريةٍ لِلأُخرى, و لَحَظاتٌ أطلقنا فيها العَنان لِجنونِنا, تَقارَبنا فيها مِنْ بَعضِنا و تَعاهدنا عِندها ألا نَدع أيَ شَئٍ يُفَرقنا... كُل هذا أصبحَ مُجَرَدَ ذِكرى نراها على الأوراقْ المُلَونة فَنَضحَكُ لَها لِوَهلةٍ ثُم يُسرِع التجَهمُ لِيَعلو وجوهَنا مِن ذكرى مُؤلِمة حَطَمَتْ كُل عُهودِنا وَ طَغَتْ على إبتساماتِنا.
نَحْتَضنُ بَعضها مِرارآ و تِكرارآ, نُخاطِبُ البَعضْ مِنها, نُقَبِلُ البَعضْ الأخرْ, وَ نُحَرِكُ أنامِلنا بِرفقٍ على الأخيرةِ, نَنثُرُها و نَتَوَسطها فَنعيشُ كُلِ لَحضاتِها بِكُلِ تَفاصيلها, نُقَلِبُ بَعضها لِنقرأ بِضع كَلمات و حَفنةً مِن الأرقامِ مَكتوبةٌ عليها. في يَومٍ ما كانتْ تَعني لنا الكَثير و ما زالتْ كذلِكَ, لكِنها الأن لا تَعني شيئآ!!!
وَداعُ, فِراقٌ, جَرحٌ, و خَيبات أملْ, كُلها إجتَمَعتْ تَحتْ مُسمى القَدرْ.كُل هذهِ الذكريات كانتْ أحلامآ و أصبحتْ أخيرآ واقِعآ لكِنَهُ ليسَ الواقِع الذي كثنا نَحلُمُ بِهِ. حينما عَرفنا الوداعْ, نَضِج فِهمُنا حَتى أصبَحنا مُدركين ما المغزى مِن أجتماعِنا أنذاك. أصبحنا نَعرِف أنَ كُل ذِكرى أصبحتْ وَداعآ, أصبحتْ صورآ ملونة مرميةٌ في إحدى زوايا النِسيانْ.
كُل ذِكرياتِنا مسجونةٌ الأنْ. كُنا نَزورُها مِرارى و تِكرارآ فَأصبحنا نَزورُ البَعضَ مِنها كُلما إشتَقنا لِذكرى حزينةٍ, بَعضها هجرناهُ وَ لا نَذكُرُ مَتى كانَ ذلكْ....هكذا هِيَ ذِكرياتُنا بَدأتْ بِكُلِ شَئ و أنتَهتْ بِلا شَئْ

رَحيلٌ إلى الذاكِره

كَثيرآ ما تَعَوَدَ عَلى الرَحيل حَتى سَأَمتْ حَقائِبهُ مِنْ كَثرَةِ التَرحال. كانَتْ لَهُ ذِكرياتٍ هُنا وَ هُناكْ, أما الآن فَليسَ لَهُ مِنها أيُ نَصيبٍ فَكَثرةُ التَرحالْ لَم تَدعْ لَهُ وَقتآ كافيآ لِيَنسُجَ فيهِ الذكريات, وَ لَمْ يَعُد رأسُهُ قادِرآ على إدفاء الوسائد الموحشه, بِكُل بساطةٍ أصبحَ مُجرَد جَسدٍ هائِمٍ.
ها هُوَ الآن يَكتفي مِنَ التَرحال, يَمَلُ بُرودةَ الوسائد, و يَكرَه كُثرَةَ تَغيرِالوجوهِ فَيُقَرِرُ أنْ يَثور على تَرحالهِ, فَبَعدَ الآن لن يَرحلْ, لَن يَرتَحِلَ سِوى لِمَرَةٍ واحِدَةٍ, رَحيلُ إلى الذاكِره.
هَلْ يا تُرى سَيدخُلُ متاهةَ الذاكِرة؟!! وَ هَل سَيَرتَحِل مِن ذِكرى إلى أُخرى, هَلْ يا تُرى سَيجولُ بَينَ الكَثيرِ مِنَ الأبوابِ؟!! كَثيرةُ هِيَ الأبواب فَمِنها المُقفَلة, وَ مِنها المُوصدة, و مِنها المُفَوَهه, لكِنها مُتشابِهةٌ في تَفاصيلها وَ تَغلُبُ عَلَيها العَتمه كَما تَغلُبُ عَلى كُلِ شَئٍ فَتَختَفي أغلبُ التَفاصيلْ فَيَغدو كُلُ شَئٍ مُوحِشآ, كُلُ شَئٍ إلا تِلكَ البابُ البيضاءْ.
سَيَرحَلُ إلى الذاكِره.
أيدعوهُ رَحيلآ إلى الذاكره؟؟ أم رَحيلآ إلى عالمِ الخيال؟؟ لا تَستَغربوا حيرَتَهُ, فَما رأهُ هناكْ لَمْ يَكُن مَحظَ ذِكرى وَ لَم يَكُن ضَربآ مِنَ الخَيالْ ..... لَم يَكُن قادِرآ على تَسميَتهِ!!!
عَبقٌ مِنَ الياسمينِ البَري تَغلبُ على كُل شئٍ, على كُلِ الثَنايا, على كُلِ المكانْ, فَعِطرُها القَديم لا زالَ فواحآ, و ما يَزالُ يَغمِرُها. تِلكَ الأمشاط الصغيرة, عاجيةٌ بيضاءْ, تَختَبئُ خَجلآ في ثَنايا شَعرها الأسود فَبياضُ العاجِ خَجِلٌ أمامَ بَشَرَتِها المُوشَحة بِمسحاتٍ زَهريه. عَيناها مُتَلَئلِئتان كَتلؤلؤِ ضَوءِ القَمرْ عَلى المحيطِ. إبتسامَتُها الخَجِلةُ لا تَكادُ تَثني شَفتيها المُخمَليتانْ. لِلأن لَم يَعرف أهي ذِكرى أم خيالْ؟! هَل ثارَ على تِرحالهِ وَ حُرِيَتِهِ لِيُصبِحَ أَسيرَ الذِكرى وَ أَسيرَ الخَيالْ, أسيرَ الغَجريةِ السمراءْ. هَلْ يا تُرى سَيَهجُرُ الذِكرى أَمْ تُراهُ سَيَكُفُ عَنْ تِرحالِهِ؟

ذاكرةُ اللامَكان

لا شَك في أنَّ لِكُلٍ مِنا بعض الذكرياتْ التي تَشغَلُ حيزآ مِن كِيانه و لا شَك في أنَ اغلبنا يَسوق الكثيرَ مِن هذهِ الذكريات الى الظِلام لِيُبعِدها عن ناظريه و عن انظار الأخرين ........ ذكرياتُ إن إستفاقتْ لَثارت ثَورةَ البراكينْ ولأحرقت كُل ما إستطاعت و تستطيع المُرورَ بِهِ, ذكرياتٌ صغيرةُ التفاصيل ثَقيلةُ الخُطى, قَديمةٌ قِدَمَ أوجاعِنا و تَحمل في طياتِها ما كانتْ أسعَدَ لَحضاتِنا. ذِكرياتٌ تَشغَلُ اللامكان فينا فَكيفَما أردنا حَصرها هُنا أو هناكْ, وجدناها قَدْ طَغتْ على كُل مكنوناتِنا كما يَطغى الظلامُ على كل ثنايا العالم الباردْ.
لِكُل ذِكرى جميلةٍ لدينا هنالِكَ ذلك المكانُ الذي نَعودُ فيهِ إليها, لِنتذكرها فيه, لِنَتَذكر كُل تفاصيلها الصغيرة و نَعيش كُل لَحظةٍ فيها, فلِكُل شَئٍ حَيزهُ الخاص في هذا الكون الشاسعْ,, إلا تِلكَ الذكريات الشاحبة فهي في كُل مكان, عِندَ كُلِ الثنايا, و في كُل التفاصيل,, تَتَغلغَلُ بِعمق, تأبى الرحيل, تَسكن بِصمتْ, و تَطغى بِمرور الزمانْ. أحزانُنا مِنها و إليها, فمتى ما حاولنا النِسيان سَنوقِضُ التفاصيلْ, و مَتى ما سَجناها في أصغر الأماكن سَنُحررها لِتغزو اللامكانْ, كانتْ ذِكرياتِنا فَغدونا ذِكراها.......